طاقة الحزن

طاقة الحزن

فهم عميق لتأثيراته وطرق التحرر منه

بقلم ... أ. نجمة أهلي

في مسيرة الحياة كثيرًا ما نعتقد أن ما نملكه سيظل لنا إلى الأبد ... نتعلق بالأشخاص , بالأماكن , وبالأشياء

وكأنها لن تفارقنا يومًا , نستذكر في هذا السياق ما ورد في القرآن الكريم عن صاحب الجنتين الذي قال(ما أظن أن تبيد هذه أبدًا)... وهذا حالنا حين نتشبث بأبنائنا , آبائنا , أو أموالنا , فنظن أن وجودهم أبدي لا يتغير

لقد شعرت بذلك التعلق شخصيًا مع والديَّ – لم يخطر ببالي يومًا أنهما سيرحلان عن عالمي ... وعندما فقدتهما انغمست في حزنٍ عميق دام عامين كاملين ... حتى أصبت بالاكتئاب , ووسط هذا الظلام وجدت النور من خلال تعلم منهج التشافي الذاتي حيث قادني العلاج الأثيري إلى التحرر من مشاعر الحزن الثقيلة , والكآبه التي عشتها واستعدت توازني النفسي

الحزن وتأثيره السلبي الجسدي والنفسي

يُعد الحزن طاقة سلبية ذات تأثير بالغ على الجسد والنفس ,إذ يؤثر على عدة مراكز طاقية في الجسم , وقد يؤدي إلى تراكمات تؤثر على الصحة الجسدية بشكل مباشر ... فالشعور بالحزن الشديد إذا تُرك دون معالجة , يمكن أن يسبب أمراضًا عضوية مزمنة مثل أمراض القلب , واضطرابات الأعصاب ,بل وحتى السرطانات والذي يُعد في نظريات الطب البديل نتاجًا لحزن عميق مدفون داخل الخلايا ... فالحزن استجابة طبيعية للخسارة , ولكنه أيضًا مرآة للتعلق الشديد , فكلما زاد التعلق بشيء سواء كان شخصًا , مالًا , أو مركزًا وظيفيًا , زادت وطأة الحزن عند فقدانه.

قانون التوازن الكوني

يشير فاديم زيلاند إلى أن المبالغة في الاهتمام بشيء معين تُخِلّ بتوازن الحياة ... لأننا نمنحه مكانة غير طبيعية في وعينا , حين نجعل شريك الحياة أو الأبناء محور وجودنا , نخلق حالة من التعلق اللاشعوري ... فيتدخل ما يُعرف بـ"قوى التوازن" لتعيد الأمور إلى نصابها ,وقد تأتي هذه القوى على هيئة تجربة صادمة تُوقظنا من غفلتنا , وتُعرف بـ“الويك أب كول” (Wake-up Call)** – الصفعة التي توقظنا من التعلق ... وفي الحديث الشريف "ساعة وساعة" تذكير بأهمية التوازن وإعطاء كل جانب من جوانب الحياة حقه دون إفراط أو تفريط

رحلة ما بعد الفقد ... ما وراء الحزن

الفقد لا يعني دائمًا الموت قد يكون انفصالًا , غيابًا , أو تغيرًا ... وإذا استمر الحزن لأكثر من ثلاثة أشهر فمن الضروري مراجعة الذات ... قد لا يكون الحزن الحالي ناتجًا عن فقد الشخص فحسب , بل قد يكون مرتبطًا بصدمات سابقة أو مشاعر دفينة في العقل الباطن , فأحيانًا يستخدم العقل الباطن الفقد كشماعة نعلق عليها إحباطات الحاضر , بينما الجرح الحقيقي يكمن في مكان آخر والتحرر يبدأ بالحوار مع الذات ... اجاباتك قد توصلك الى حقيقة مشاعرك

هل أنا معترض على قدر الله؟

ما الذي يجعلني غير قادر على تقبل الواقع؟

ما الذي فقدته فعلًا؟

الشعور بالأمان وفسيولوجيا الحزن

في علم الطاقة الحيوية تقع "بوابة الأمان" في أسفل الظهر بين الكليتين , وإذا عانى الإنسان من آلام مزمنة في هذه المنطقة ,فقد يكون السبب فقدان الشعور بالأمان ,أو الخوف من المستقبل ... فالخوف يؤثر على الكلى ويعطل تدفق الطاقة الحيوية .

لكن الله سبحانه وتعالى خلق فينا القدرة على النهوض بعد كل سقوط وكل تجربة أليمة تحمل في طياتها بذور الشفاء , إذا أحسنا التعامل معها.

1. طرق التحرر من الحزن
  
  القراءة والذكر
  القرآن الكريم يحمل طاقة شفاء عظيمة ... وخاصة سورتا "الانشراح" و"الضحى" من أكثر السور التي تبث الطمأنينة في القلب. كما أن دعاء النبي ﷺ: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث" هو ملاذ في لحظات الضيق

القبول والتسليم
التحرر من الحزن يبدأ بالتسليم لما هو كائن والرضا بما قدر الله ... استحضر أن ما أصابك لم يكن ليخطئك , وما أخطأك لم يكن ليصيبك ... عش اللحظة الراهنة بكل ما فيها من ألم وأمل.

التعبير عن المشاعر
البكاء وسيلة صحية للتنفيس , لا تستمع لمن يقول "لا تبكِ" فالبكاء ليس ضعفًا , بل شفاء ... حتى رسول الله ﷺ قال عند الفقد
"إن العين لتدمع , وإن القلب ليحزن " اسمح لنفسك أن تشعر , أن تحزن , ثم امضِ قدمًا

الحركة والتغيير
لا تبقَ ساكنًا في الحزن ... غيّر مكانك , ابدأ عملاً جديدًا , سافر , أو مارس رياضة , خاصة المشي ... فهو يحرر الجسم والنفس من الطاقات السلبية.

توسيع الخيارات
لا تضع كل حياتك في هدف واحد ... إذا انهار هذا الهدف , ستنهار معه , و تعلّم أن تبني أكثر من خيار , وأن تفتح لنفسك نوافذ متعددة ... فالله يقول( وإنّا لموسعون) حين توسع أفقك , فإن الكون يتسع معك

الختام

الحزن طاقة قد تدمرنا إذا استسلمنا لها , و لكنها أيضًا قد تصبح بابًا لفهم أعمق لذواتنا إذا أحسنا التعامل معها. ... العلاج يبدأ من الداخل من وعيك , من اتصالك بالله , ومن قدرتك على أن ترى في كل فقد حكمة , وفي كل ألم بداية جديدة

ابدأ رحلتك نحو التحرر... فالسعادة الحقيقية لا تأتي من الخارج بل من أعماق النفس ... حين تتصالح معها وتتقبلها

وللحديث بقية...
ودمتم بخير

طاقة الحزن

تابعني على مواقع التواصل الاجتماعي